المصالح المرسلة في الشريعة

المصالح المرسلة في الشريعة
والتطبيق عليها في
الجمهورية اليمنية
مقدمة وتمهيد
إن الناظر إلى الأسلوب المرن المرافق لأحكام الشريعة الإسلامية والذي يجعلها شريعة صالحة لكل زمان ومكان حيث أن المتتبع لأحكامها يجد أنها تقوم على أساس متين وملازم لها وهو مبدأ جلب المصالح ودرء المفاسد وذلك لطفاً من الله وتكرماً على عبادة .
وإن من أبواب السياسة الشرعية تقييد بعض المباحات إذا ترتب على ذلك مصلحة عامة أو خشي من إطلاق الإباحة مفسدة معتبرة ومن أمثلة ذلك منعه ( صلى الله عليه وسلم ) من ادخار لحوم الأضاحي بعد مضي ثلاثة أيام حين كان بالناس جهد ومجاعة .
وأيضاً ما رواه ابن الجوزي عن عمر أنه ( رضي الله عنه ) منع الناس من أكل اللحم يومين متتاليين من كل أسبوع لما رآه من قلة اللحوم بالمدينة حيث لا تكفي جميع السكان في جميع أيام الأسبوع فلجأ إلى هذا المنع وألزم به وأن الباحث عند نظرة إلى المصالح من ناحية اعتبار الشارع لها يجدها على أنواع ثلاثة .
النوع الأول : مصالح أقرها الشارع واعتبرها وقام الدليل منه على رعايتها وهذا النوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام :-
‌أ- مصالح متعلقة بالضروريات : وهي التي يتوقف عليها قيام مصالح الناس في حياتهم الدينية والدنيوية فإن اختلت لم يستقم أمر هذه الحياة .
‌ب- مصالح حاجيه : (أو متعلقة بالحاجيات ) : وهي تلك المصالح التي يحتاج إليها الناس لرفع الحرج عن الناس وتيسير أمر التكليف عليهم وهي جميع الرخص التي جاء بها الإسلام كقصر الصلاة الرباعية في السفر وإباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر وقد قرر القرآن والسنة النبوية أن رفع الحرج عن الناس أساس من أسس التشريع يقول الله تبارك وتعالى (( ما جعل عليكم في الدين من حرج )) .
‌ج- المصالح التحسينية أو التكميلية وهي : تلك التي تكون من قبل المحسنات كالتجمل باللبس النظيف الجميل أو الجديد كما في الأعياد والجمع وكذلك ترك أكل ماله ريحه كريهة كالثوم وما شابهه عند الذهاب إلى المساجد والأماكن العامة .
النوع الثاني من أنواع المصالح هي المصالح التي لم يعتبرها الشارع وجعلها ملغاة : وهي التي يكون قد قام الدليل على عدم اعتبارها أو قام دليل على إلغائها فهذه المصالح لا يجوز أن تبني الأحكام عليها لأنها لم تعد مصالح نظراً لأن الدليل قد قام على عدم اعتبارها مصالح ، حيث أن الله تبارك وتعالى هو الأعلم بمصالح عباده ، فهو تبارك وتعالى قد يلغي مصالح لتلافي ما قد يحدث بسببها من مفاسد أو لتعارضها مع مصالح أرجح وأهم منها . وأمثلة هذه المصالح كثيرة منها مثلاً – انتحار المريض الميئوس من شفائه – والاستسلام للعدو وغير ذلك .
النوع الثالث من المصالح هي المصالح المرسلة :
وهي التي لم يقيم دليل على اعتبارها أو إلغائها لا من الكتاب ولا من السنة المطهرة وهذه المصالح هي التي يهمنا الكلام عنها حيث أنها موضوع بحثنا هذا وقد سميت مرسلة لأن الشارع أرسلها ولم يقيدها لا بالاعتبار ولا بإلغاء .
وحتى نعطي هذا الموضوع حقه من الإيضاح والبيان فلا بد لنا أن نشرحه بالتفصيل وذلك على النحو الأتي :
تعريف المصالح المرسلة شروطها – كيفية الاحتجاج بها – مجال العمل بها في اليمن – تعارضها مع غيرها من المصالح واختلاطها بالمفاسد – إيراد بعض الأمثلة من الأحكام المبنية على المصالح المرسلة .
تعريف المصالح المرسلة
المرسلة في اللغة : المطلقة . وأما في الاصطلاح فقد عرفها الأصوليون بتعاريف كثيرة نورد هنا بعضاً منها مع الإشارة إلى التعريف الأنسب .
فقد عرفها البعض بأنها المصلحة التي لم يشرع الشارع حكماً لتحقيقها ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها .
كما عرفها الدكتور / نصر فريد واصل : بأنها كل مصلحة لم يرد بشأنها دليل معين من الكتاب أو السنة أو لإجماع أو القياس بمنع العمل بها مع مراعاة أن تكون المصلحة حقيقية وعامة وبها جلب منفعة أو دفع مضرة .
كما عرفها الإمام الشاطبي في كتابة الموافقات : بأن المقصود بالمصلحة المرسلة هي تلك المصلحة التي لم يرد من المشروع دليل خاص بها على استقلال يشهد لها بالمشروعية أو عدم المشروعية (( وهذا معنى أرسلها وأطلقها )) .
وبعد هذا العرض الموجز لمجموعة من التعاريف التي أوردها بعض الفقهاء والتي يظهر من خلالها أن الاختلاف فيما بينها اختلاف لفظي فقط وأنها متفقة من حيث المعنى ، ومن هنا يمكننا استخلاص هذا التعريف الشامل للمصالح المرسلة وهو أن المصالح المرسلة هي : تلك المصالح الحقيقية الجدية التي لم يرد بشأنها دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس على اعتبارها أو إلغائها .