التطور التاريخي للضرائب           ((الحلقة الأولى))

سبق وأن أشرنا ( باختصار ) في العدد السابق عن فرضية الضريبة في الشريعة الإسلامية وإنها فرضت منذو القدم ، وتطورت الضريبة تاريخياً بتطور أهداف الدولة ودورها في المجتمع . فالإنسان بطبعة كائن اجتماعي يسعى لوجود تنظيم يحكم علاقات الأفراد ببعضهم البعض . ولذلك فالقبيلة قد تكون هي أول هذا النوع من التنظيمات ، حيث لم تكن هناك حاجة إلى الضريبة لعدم وجود مبررات لها سواء الاشتراك في الدفاع عن القبيلة ، وكان كل شخص قادر ، يقدم طواعية واختيار لرئيس القبيلة أو قائدها ما يستطيع أن يقدمه من خدمات ، سواءً كانت نقدية أم عينية . والرئيس أو القائد يوجه هذه المتحصلات لمصلحة القبيلة التي قد تكون مختصرة في رد الاعتداء عنها والمحافظة على كرامتها .

وتلا ذلك حدوث تنظيمات أكثر تقدماً بأن ظهرت الدولة على مستوى الوجود وكان هدفها في البداية يختصر في حفظ الأمن والنظام داخلياً وحمايتها من الاعتداءات الخارجية مع ترك الأفراد يمارسون ما يشاؤنه من نشاطات في ظل الحرية الاقتصادية .. والدولة لا تستطيع القيام بالأمن والنظام والحماية  من الاعتداءات بدون موارد مالية تمكنها من أداء هذه المهمات الجديدة المنوطة بها . لذلك فقد لجأت للضرائب . وإن كانت بشكل بدائي مثل الضرائب على الرؤوس بأن يدفع كل مواطن مبلغاً من المال بسبب تبعيته السياسية للدولة ، وبالتالي يتضح حياد الضرائب بحيث لم ينظر إلى تأثيراتها الجانبية .

ثم تطور دور الدولة بأن أصبحت مسئوله عن تحقيق الرخاء العام بشكله الأوسع إلى تطبيق الأمن والنظام داخلياً ، والحماية من الاعتداءات الخارجية . ذلك مما فرض على الدولة التزامات هائلة .. وبالتالي يتضح دور الضرائب في كونها أداة تستخدم من قبل الدولة للوصول إلى ما تريده من أهداف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية .

ومما سبق يمكن التصور للمراحل التي مرّت بها فرض الضرائب .

-   المرحلة الأولى ( التقليدية البدائية ) : وهي مرحلة ما قبل نشوء الدولة بتنظيماتها المعروفة والتي كانت ممثلة في القبيلة أو العشيرة . فقد كان الاعتماد في حينه على ما يعطى من أفراد المجتمع لقائدهم طواعية واختياراً . سواءً كان نقداً أو عيناً وبما يعين على تحسين أوضاع هذا التنظيم .

-   المرحلة الثانية ( التقليدية المتطورة ) : وكون هذه المرحلة تشتمل على تنظيمات أكثر تطوراً من سابقتها كنظام سياسي ، فقد سجلت بها الاسم أو الوصف حيث الدولة هي الأساس في هذا المجال وليست القبيلة أو العشيرة .. في هذه المرحلة ، فرضت الضرائب المحايدة المباشرة مثل الضرائب على الأراضي والمواشي والرؤوس والإنتاج الزراعي في البلد ... إلخ

ومن ذلك يتضح لنا أن الهدف من الضرائب في هذه الفترة هو الحصول على موارد مالية مع عدم أخذ آثار الضرائب الأخرى في الاعتبار .

-   المرحلة الثالثة ( المرحلة التالية لظهور الدولة ) : في هذه المرحلة قامت العلاقات الاقتصادية بين الدول بعضها بعضاً . ولذلك لجأت هذه الدولة لتخفيف العبء على مواطنيها من الضرائب المباشرة التي فرضت في مرحلة سابقة ، إلى فرض ضرائب غير مباشرة لها علاقة بتجارتها الخارجية . وهي فرض الضرائب على الصادرات والواردات .

-   المرحلة الرابعة ( مرحلة تدخل الدولة لتحقيق الرفاهية ) : وكما ذكرنا سابقاً فإن الدولة أصبحت تتمتع باحترام جميع مواطنيها وتسعى نحو تحقيق أكبر قدر من الرخاء . لذلك نجد أن الدولة هنا أصبحت تستخدم الضرائب لا لكونها مورداً مالياً فقط وإنما لتحقيق ما تصبوا إليه من أهداف وقد ظهرت هذه المرحلة بعد ظهور المشروعات الكبيرة التي أدت بدورها إلى حدوث تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية .